فصل: فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ:

لَمَّا كَانَ الْخَارِجُ فِي عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يَقَعُ فِيهِ الْقِسْمَةُ ذَكَرَ الْمُزَارَعَةَ بَعْدَهَا وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ زَارَعَ مِنْ الزَّرْعِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْحَبِّ وَنَحْوِهِ فِي الْأَرْضِ.
وَفِي الشَّرْعِ (هِيَ) أَيْ الْمُزَارَعَةُ (عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ) وَيُسَمَّى الْمُخَابَرَةُ وَالْمُحَاقَلَةُ وَيُسَمِّيهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ الْقِرَاحُ (وَهِيَ) أَيْ الْمُزَارَعَةُ (فَاسِدَةٌ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ» وَالْمُخَابَرَةُ هِيَ الزِّرَاعَةُ عَلَى لُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالتَّخْصِيصُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ لِلْعَادَةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِهِمَا إذْ الْفَسَادُ ثَابِتٌ فِي غَيْرِهِمَا أَيْضًا وَلِذَا قِيلَ فِي التَّعْرِيفِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَلِأَنَّهَا فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ وَلِأَنَّ الْأَجْرَ مَجْهُولٌ أَوْ مَعْدُومٌ وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ وَمُعَامَلَةُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِطَرِيقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ وَهُوَ جَائِزٌ (وَعِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ)؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ وَزَرْعٍ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَجِدُ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ وَالْقَادِرُ عَلَى الْعَمَلِ لَا يَجِدُ أَرْضًا وَلَا مَا يَعْمَلُ بِهِ فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى جَوَازِهَا دَفْعًا لِلْحَاجَةِ كَالْمُضَارَبَةِ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِهِمَا (يُفْتَى) لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ (قَالَ) الْإِمَامُ (الْحَصِيرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الَّذِي فَرَّعَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَلَى أُصُولِهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ الْمُزَارَعَةَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ ثُمَّ التَّفْرِيغُ بَعْدَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجَوِّزُ الْمُزَارَعَةَ وَعَلَى أُصُولِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَوْ كَانَ يَرَى جَوَازَهَا (لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَأْخُذُونَ) فِيهَا (بِقَوْلِهِ) لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا وَتَعَامُلِهِمْ بِهَا.
(وَيُشْتَرَطُ فِيهَا) أَيْ فِي الْمُزَارَعَةِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهَا (صَلَاحِيَةُ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الرَّيْعُ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ كَوْنِهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ.
(وَ) يُشْتَرَطُ (أَهْلِيَّةُ الْعَاقِدَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَقْدٌ بِدُونِ الْأَهْلِيَّةِ.
(وَ) يُشْتَرَطُ (تَعَيُّنُ الْمُدَّةِ) لِتَصِيرَ الْمَنَافِعُ مَعْلُومَةً كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ ذُكِرَ وَقْتٌ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَهِيَ فَاسِدَةٌ وَكَذَا ذِكْرُ مُدَّةٍ لَا يَعِيشُ أَحَدُهُمَا إلَى مِثْلِهَا غَالِبًا وَجَوَّزَهُ بَعْضٌ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّهَا بِلَا ذِكْرِ الْمُدَّةِ جَائِزَةٌ وَتَقَعُ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ.
(وَ) يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ (رَبِّ الْبَذْرِ) قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ.
(وَ) يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ (جِنْسِهِ) أَيْ الْبَذْرِ لِيَصِيرَ الْأَجْرُ مَعْلُومًا إذْ الْأَجْرُ بَعْضُ الْخَارِجِ.
(وَ) يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ (نَصِيبِ الْآخَرِ) أَيْ بَيَانُ نَصِيبِ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ أَوْ أَرْضِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا.
(وَ) يُشْتَرَطُ (التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ)؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ فَصَارَ نَظِيرَ الْمُضَارَبَةِ لَا تَصِحُّ حَتَّى يُسَلِّمَ الْمَالَ إلَيْهِ حَتَّى إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يُفَوِّتُ بِهِ التَّخْلِيَةَ وَهُوَ عَمَلُ رَبِّ الْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ لَا يَصِحُّ.
(وَ) يُشْتَرَطُ (الشِّرْكَةُ فِي الْخَارِجِ) بَعْدَ حُصُولِهِ لِيَتَحَقَّقَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُزَارَعَةِ وَهُوَ الشِّرْكَةُ لِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ إجَارَةً فِي الِابْتِدَاءِ وَشِرْكَةً فِي الِانْتِهَاءِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهِ (فَتَفْسُدُ) أَيْ الْمُزَارَعَةُ (إنْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا) أَيْ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ (قُفْزَانٌ) جَمْعُ قَفِيزٍ (مُعَيَّنَةٌ) لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الشِّرْكَةِ عِنْدَ إخْرَاجِ الْأَرْضِ مِقْدَارًا مَذْكُورًا أَوْ قَلِيلًا فَحِينَئِذٍ لَا يُوجَدُ عَلَى مَا عُقِدَ عَلَيْهِ وَهُوَ الِاشْتِرَاكُ فِيمَا يَخْرُجُ عَلَى الشُّيُوعِ (أَوْ) شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا (مَا يَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ) وَكَوْنُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِانْقِطَاعِ الشِّرْكَةِ بِأَنْ لَا يُحَصِّلَ حَبَّةً إلَّا مِنْ مَوْضِعٍ مَذْكُورٍ (كَالْمَاذِيَانَاتِ) جَمْعُ مَاذِيَانِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ النَّهْرِ وَأَعْظَمُ مِنْ جَدْوَلٍ (وَالسَّوَّاقِي) جَمْعُ سَاقِيَّةٍ وَهِيَ فَوْقَ الْجَدْوَلِ دُونَ النَّهْرِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ فَيَكُونُ الْمَاذِيَانُ وَالسَّاقِيَّةُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ وَإِنَّمَا تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَخْرُجَ إلَّا مِنْهَا فَيُؤَدِّيَ إلَى قَطْعِ الشِّرْكَةِ.
(أَوْ) شَرَطَ (أَنْ يَرْفَعَ قَدْرَ الْبَذْرِ) لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَكَوْنَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا (أَوْ) شَرَطَ أَنْ يَرْفَعَ قَدْرَ (الْخَرَاجِ وَيَقْسِمَ مَا يَبْقَى) مِنْ قَدْرِ الْبَذْرِ أَوْ قَدْرِ الْخَرَاجِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشِّرْكَةِ فِي بَعْضٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي الْجَمِيعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا قَدْرُ الْبَذْرِ أَوْ الْخَرَاجُ وَالْمُرَادُ مِنْ الْخَرَاجِ الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ عَلَى الْأَرْضِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخَرَاجُ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِأَنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ عَلَيْهَا نِصْفَ الْخَرَاجِ أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْجُزْءِ الشَّائِعِ وَإِنْ اشْتَرَطَا رَفْعَهُ لَا تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشِّرْكَةِ.
(أَوْ) شَرَطَ (أَنْ يَكُونَ التِّبْنُ لِأَحَدِهِمَا وَالْحَبُّ لِلْآخَرِ)؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تُصِيبَهُ آفَةٌ لَا يَحْصُلُ بِهَا الْحَبُّ سِوَى التِّبْنِ فَيُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ الشِّرْكَةِ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْحَبُّ (أَوْ يَكُونَ الْحَبُّ بَيْنَهُمَا وَالتِّبْنُ لِغَيْرِ رَبِّ الْبَذْرِ)؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ (أَوْ يَكُونَ التِّبْنُ بَيْنَهُمَا وَالْحَبُّ لِأَحَدِهِمَا) بِعَيْنِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشِّرْكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْحَبُّ.
(وَإِنْ شَرَطَ كَوْنَ الْحَبِّ بَيْنَهُمَا وَالتِّبْنِ لِرَبِّ الْبَذْرِ أَوْ شَرَطَ دَفْعَ الْعُشْرِ) أَيْ عُشْرِ الْخَارِجِ وَالْأَرْضُ عُشْرِيَّةٌ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا (صَحَّتْ) الْمُزَارَعَةُ أَمَّا الْأُولَى فَيَجُوزُ الشِّرْكَةُ لِوُجُودِهَا فِي الْمَقْصُودِ وَلِكَوْنِ التِّبْنِ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ عَلَى مَا يَقْتَضِيه حُكْمُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ الْبَذْرِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ الْعُشْرَ مُشَاعٌ فَلَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشِّرْكَةِ وَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ صَاحِبُ الْبَذْرِ عُشْرَ الْخَارِجِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْآخَرِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا.
(وَإِنْ) شَرَطَ كَوْنَ الْحَبِّ بَيْنَهُمَا وَ (لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتِّبْنِ) لِحُصُولِ الشِّرْكَةِ فِيمَا هُوَ الْمَرَامُ (فَهُوَ) أَيْ التِّبْنُ (بَيْنَهُمَا) وَهَذَا قَوْلُ مَشَايِخِ بَلْخِي اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْعَاقِدَانِ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَبِّ وَالتَّبَعُ يَقُومُ بِشَرْطِ الْأَصْلِ (وَقِيلَ) يَكُونُ التِّبْنُ (لِرَبِّ الْبَذْرِ)؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَفِي دِيَارِنَا لِصَاحِبِ الْبَقَرِ لِكَوْنِهِ عَفَا لَهُ.
(وَأَجْرُ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْعَامِلِ وَرَبِّ الْأَرْضِ (بِالْخُصُصِ)؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ (فَإِنْ شَرَطَ) الْأَجْرَ (عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ) الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيه الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا فَتَفْسُدُ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ) أَيْ الشَّرْطَ عَلَى الْعَامِلِ (يَصِحُّ) لِلتَّعَامُلِ بَيْنَ النَّاسِ اعْتِبَارًا بِالِاسْتِصْنَاعِ (وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي دِيَارِنَا (وَشَرْطُهُ) أَيْ الْأَجْرِ (عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا) لِعَدَمِ التَّعَامُلِ بِذَلِكَ.
(وَمَا) كَانَ (قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَالسَّقْيِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَى الْمُزَارِعِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (وَلَمْ يَشْتَرِطْ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُوجِبُ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ يُزَادُ بِهِ الزَّرْعُ وَلَا يُنْقَصُ.
وَفِي الْهِدَايَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَالسَّقْيِ وَالْحِفْظِ فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ وَمَا كَانَ مِنْهُ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَأَشْبَاهِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ عَلَيْهِمَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ لَكِنْ فِيمَا هُوَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَفِيمَا هُوَ بَعْدَهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً لِتَمَيُّزِ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ مِلْكِ الْآخَرِ.
(وَإِذَا كَانَ الْبَذْرُ وَالْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَالْعَمَلُ وَالْبَقَرُ لِلْآخَرِ أَوْ) كَانَتْ (الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَقِيَّةُ) مِنْ الْعَمَلِ وَالْبَذْرِ وَالْبَقَرِ (لِلْآخَرِ أَوْ) كَانَ الْعَمَلُ (لِأَحَدِهِمَا وَالْبَقِيَّةُ) مِنْ الْأَرْضِ وَالْبَذْرِ (لِلْآخَرِ صَحَّتْ) الْمُزَارَعَةُ فِي الْكُلِّ.
أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ يَقَعُ عَلَى الْعَمَلِ هُنَا وَالْبَقَرُ آلَةٌ لِلْعَامِلِ كَمَا يَقَعُ الِاسْتِئْجَارُ فِي الْخِيَاطَةِ عَلَى الْخَيْطِ وَيُجْعَلُ إبْرَتُهُ آلَةً لَهَا.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ كَاسْتِئْجَارِهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ.
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ لِيَعْمَلَ بِآلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ ثَوْبَهُ بِإِبْرَتِهِ أَوْ لِيُطَيِّنَ بِمَرِّهِ.
(وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ لِلْآخَرِ بَطَلَتْ) الْمُزَارَعَةُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْبَذْرِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا بِالْبَذْرِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِكَوْنِ الِانْتِفَاعِ بِالِاسْتِهْلَاكِ أَوْ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرًا لِلْبَقَرِ مَعَ الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّعَامُلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَادَةِ وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ بِهِ.
(وَكَذَا) تَبْطُلُ (لَوْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْأَرْضُ وَالْعَمَلُ لِلْآخَرِ)؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ (أَوْ) كَانَ (الْبَذْرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي) وَهُوَ الْعَمَلُ وَالْبَقَرُ وَالْأَرْضُ (لِلْآخَرِ) وَإِنَّمَا بَطَلَتْ لِأَنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ الْأَرْضُ تَبَعًا لَهُ لِاخْتِلَافِ مَنْفَعَتِهِمَا وَهَهُنَا صُورَةٌ أُخْرَى لَمْ يَذْكُرْهَا وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْ الْآخَرِ قَالُوا هِيَ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِئْجَارُ الْبَقَرِ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ إذْ لَا تَعَامُلَ فِي اسْتِئْجَارِ الْبَقَرِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ فَلَا يُعْلَمُ مَا هُوَ أَجْرُهُ بِحَسَبِ التَّعَامُلِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ دَفَعَ رَجُلٌ أَرْضَهُ إلَى آخَرَ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا بِنَفْسِهِ وَبَقَرِهِ وَالْبَذْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ فَعَمِلَا عَلَى هَذَا فَالْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةٌ وَيَكُونُ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ أَجْرٌ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ نِصْفِ الْأَرْضِ لِصَاحِبِهَا وَكَذَلِكَ تَفْسُدُ لَوْ كَانَ الْبَذْرُ ثُلُثَاهُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَثُلُثُهُ مِنْ الْآخَرِ وَالرَّيْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ بَذْرِهِمَا.
(وَإِذَا صَحَّتْ) الْمُزَارَعَةُ (فَالْخَارِجُ عَلَى الشَّرْطِ) أَيْ الْخَارِجُ عَلَى مَا شَرَطَ مِنْ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ.
(وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) مِنْ الْأَرْضِ (شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ)؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالشِّرْكَةِ فِي الْخَارِجِ وَلَا شِرْكَةَ فِي الْخَارِجِ.
(وَمَنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ (عَنْ الْمُضِيِّ) عَلَى مُوجِبِ عَقْدِ الْمُزَارَعَةِ (بَعْدَ الْعَقْدِ أُجْبِرَ) مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ إجَارَةً وَهِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ (إلَّا رَبَّ الْبَذْرِ) فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عِنْدَ الْإِبَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُضِيُّ إلَّا بِإِتْلَافِ مَالِهِ وَهُوَ إلْقَاءُ الْبَذْرِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يَدْرِي هَلْ يَخْرُجُ أَمْ لَا فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَهْدِمَ دَارِهِ ثُمَّ امْتَنَعَ الْعَامِلُ أُجْبِرَ عَلَى الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَإِنْ فَسَدَتْ) الْمُزَارَعَةُ (فَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْبَذْرِ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ (وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ) وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْبَذْرِ صَاحِبَ الْأَرْضِ (أَوْ) أَجْرُ مِثْلِ (أَرْضِهِ) إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ (وَلَا يُزَادُ) أَجْرُ الْمِثْلِ (عَلَى مَا شُرِطَ) أَيْ عَلَى الْمُسَمَّى عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِوُجُودِ الرِّضَا كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ تَجِبُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْفَسَادِ تَكُونُ لَغْوًا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ.
(وَإِنْ فَسَدَتْ) الْمُزَارَعَةُ (لِكَوْنِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ فَقَطْ لِأَحَدِهِمَا لَزِمَ أَجْرُ مِثْلِهِمَا) أَيْ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ وَالْبَقَرِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَلْزَمُ أَجْرُ مِثْلِهِمَا (وَهُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ يَغْرَمُ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ الْأَرْضِ مَكْرُوبَةً وَأَمَّا الْبَقَرُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحَقَّ بِعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِحَالٍ فَلَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ لَا صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا وَوُجُوبُ أَجْرِ الْمِثْلِ لَا يَكُونُ بِدُونِ انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَالْمَنَافِعُ لَا تَتَقَوَّمُ بِدُونِهِ.
(وَإِذَا فَسَدَتْ) الْمُزَارَعَةُ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْفَسَادِ (وَالْبَذْرُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فَالْخَارِجُ كُلُّهُ حِلٌّ لَهُ) أَيْ حِلٌّ لَهُ قَدْرُ الْبَذْرِ وَالْفَضْلُ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ.
(وَإِنْ) فَسَدَتْ وَالْبَذْرُ (لِلْعَامِلِ) لَا يَطِيبُ لَهُ الْخَارِجُ فَحِينَئِذٍ (تَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ عَنْ قَدْرِ بَذْرِهِ، وَ) قَدْرِ (أُجْرَةِ الْأَرْضِ)؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْ بَذْرِهِ لَكِنْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَأَوْجَبَ خَبُثَا فَمَا كَانَ عِوَضَ مَالِهِ طَابَ لَهُ وَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَإِذَا أَبَى رَبُّ الْبَذْرِ عَنْ الْمُضِيِّ وَقَدْ كَرَبَ الْعَامِلُ الْأَرْضَ) أَيْ قَلَّبَهَا لِلْحَرْثِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ فِي عَمَلِ الْكِرَابِ (حُكْمًا) أَيْ قَضَاءً؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ إنَّمَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالْخَارِجِ فَإِذَا انْعَدَمَ الْخَارِجُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ (وَيُسْتَرْضَى) أَيْ الْآبِي فِي عَمَلِهِ (دِيَانَةً) عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ إذْ الْغُرُورُ فِي الْكِرَابِ مِنْ جَانِبِ الْآبِي.
(وَتَبْطُلُ الْمُزَارَعَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ (وَتُفْسَخُ بِالْأَعْذَارِ كَالْإِجَارَةِ) وَقَدْ مَرَّ الْوَجْهُ فِي الْإِجَارَاتِ.
(فَتُفْسَخُ) الْمُزَارَعَةُ (إنْ لَزِمَ دَيْنٌ مُحْوِجٌ إلَى بَيْعِ الْأَرْضِ) بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَضَائِهِ إلَّا بِبَيْعِ الْأَرْضِ (قَبْلَ نَبَاتِ الزَّرْعِ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ وَهِيَ تَنْفَسِخُ الْأَعْذَارُ (لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَا بَعْدَ نَبَاتِ الزَّرْعِ (مَا لَمْ يُحْصَدْ) أَيْ لَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ أَوْ لَمْ يُسْتَحْصَدْ لَا تُبَاعُ الْأَرْضُ بِالدَّيْنِ حَتَّى يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ فِي الْبَيْعِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُزَارِعِ وَالتَّأْخِيرُ أَهْوَنُ مِنْ الْإِبْطَالِ وَيُخْرِجُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ إنْ كَانَ حَبَسَهُ بِهِ قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَلَوْ دَفَعَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَمَّا نَبَتَ فِي الْأُولَى وَمَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ تَرَكَ الزَّرْعَ فِي يَدِ الْمُزَارِعِ وَقُسِّمَ عَلَى الشَّرْطِ وَبَطَلَتْ الْمُزَارَعَةُ فِي السَّنَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي بَقَاءِ الْعَقْدِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مُرَاعَاةَ حَقِّ الْمُزَارِعِ وَالْوَرَثَةِ وَفِي الْقَطْعِ إبْطَالًا لِحَقِّ الْعَامِلِ أَصْلًا فَكَانَ الْإِبْقَاءُ أَوْلَى وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِبْقَاءِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ لِلْمُزَارِعِ فِي شَيْءٍ بَعْدُ فَعَمِلْنَا بِالْقِيَاسِ (وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ إنْ كَانَ كَرَبَ الْأَرْضَ أَوْ حَفَرَ النَّهْرَ)؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ وَتَقْوِيمُهَا بِالْخَارِجِ فَلَا خَارِجَ.
(وَإِنْ تَمَّتْ مُدَّتُهَا) أَيْ الْمُزَارَعَةِ (قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ فَعَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ حِصَّتِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى يُدْرِكَ) الزَّرْعُ وَيُسْتَحْصَدُ؛ لِأَنَّ فِي قَلْعِهِ ضَرَرًا يَبْقَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ وَيَجِبُ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ.
(وَنَفَقَةِ الزَّرْعِ) وَمُؤْنَةِ الْحِفْظِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ (عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ (بِقَدْرِ حِصَصِهِمَا) أَيْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَلَى الْعَامِلِ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْجَرٌ فِي الْمُدَّةِ فَإِذَا مَضَتْ انْتَهَى الْعَقْدُ فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ مَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا (وَأَيُّهُمَا أَنْفَقَ بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ وَلَا أَمْرِ قَاضٍ فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الْإِنْفَاقِ وَلَا يُقَالُ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى ذَلِكَ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْفِقَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ.
(وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَخْذُ الزَّرْعِ بَقْلًا) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْمُزَارِعِ.
(وَإِنْ أَرَادَ الْمُزَارِعُ ذَلِكَ) أَيْ أَخَذَ الزَّرْعَ بَقْلًا (قِيلَ لِرَبِّ الْأَرْضِ اقْلَعْ الزَّرْعَ لِيَكُونَ بَيْنَكُمَا أَوْ أَعْطِهِ قِيمَةَ نَصِيبِهِ) أَيْ الْمُزَارِعِ (أَوْ أَنْفِقْ أَنْتَ عَلَى الزَّرْعِ وَارْجِعْ فِي حِصَّتِهِ) أَيْ ارْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقْته فِي حِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُزَارِعَ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْعَقْدِ بَعْدَ وُجُودِ النَّهْيِ نَظَرٌ لِلْعَامِلِ وَقَدْ تَرَكَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ وَرَبُّ الْأَرْضِ بَيْنَ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ؛ لِأَنَّ بِكُلِّ ذَلِكَ يُسْتَدْفَعُ الضَّرَرُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْأَرْضِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَعَلَى الْعَامِلِ الْعَمَلُ إلَى أَنْ يُدْرِكَ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ثَمَّةَ يَبْقَى فِي مُدَّتِهِ وَمُوجِبُهُ عَلَيْهِ إلَى إدْرَاكِهِ وَحَصَادِهِ.
(وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ) وَالزَّرْعُ بَقْلٌ (فَقَالَ وَارِثُهُ أَنَا أَعْمَلُ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ فَلَهُ) أَيْ لِلْوَارِثِ (ذَلِكَ) أَيْ أَنْ يَعْمَلَ مَكَانَهُ نَظَرًا لِلْوَرَثَةِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَبَى رَبُّ الْأَرْضِ) وَلَا أَجْرَ لِلْوَارِثِ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْعَامِلِ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ فِي الْمُدَّةِ كَأَنَّ الْوَارِثَ وَرِثَهُ مَعَ مَا لَزِمَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ فَإِنْ أَرَادَ الْوَارِثُ قَلْعَ الزَّرْعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَمَلِ وَالْعَامِلُ عَلَى الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ لِمَا بَيَّنَّا لَكِنْ لَوْ رَجَعَ الْمَالِكُ بِالنَّفَقَةِ يَرْجِعُ بِكُلِّهَا إذْ الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ مُسْتَحَقٌّ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ وَفِي التَّنْوِيرِ الْغَلَّةُ فِي الْمُزَارَعَةِ مُطْلَقًا أَيْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُزَارِعِ فَلَا ضَمَانَ لَوْ هَلَكَتْ وَمِثْلُهُ الْمُعَامَلَةُ وَإِذَا قَصَّرَ الْمُزَارِعُ فِي سَقْيِ الزَّرْعِ حَتَّى هَلَكَ الزَّرْعُ لَمْ يَضْمَنْ فِي الْفَاسِدَةِ وَيَضْمَنُ فِي الصَّحِيحَةِ.

.كِتَاب الْمُسَاقَاة:

لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمُسَاقَاةَ عَلَى الْمُزَارَعَةِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهَا وَلَوْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ فِي مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَهْلِ خَيْبَرَ غَيْرَ أَنَّ اعْتِرَاضَ مُوجِبَيْنِ صَوَّبَ إيرَادَ الْمُزَارَعَةِ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ أَحَدُهُمَا شِدَّةُ الِاحْتِيَاجِ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْمُزَارَعَةِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَالثَّانِي كَثْرَةُ تَفْرِيعِ مَسَائِلِ الْمُزَارَعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسَاقَاةِ وَالْمُسَاقَاةِ مِنْ الْمُزَارَعَةِ كَمَا فِي النَّتْفِ وَإِنَّمَا آثَرَ عَلَى الْمُعَامَلَةِ الَّتِي هِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهَا أَوْفَقُ بِحَسَبِ الِاشْتِقَاقِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ فَالتَّفْرِقَةُ مِنْ الظَّنِّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (هِيَ دَفْعُ الشَّجَرِ إلَى مَنْ يُصْلِحُهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرِهِ) أَيْ الشَّجَرِ (وَهِيَ) الْمُسَاقَاةُ (كَالْمُزَارَعَةِ حُكْمًا) حَيْثُ يُفْتِي عَلَى صِحَّتِهَا (وَخِلَافًا) حَيْثُ تَبْطُلُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَتَصِحُّ عِنْدَهُمَا كَالْمُزَارَعَةِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ.
(وَشُرُوطًا) يُمْكِنُ اشْتِرَاطُهَا فِي الْمُسَاقَاةِ كَذِكْرِ نَصِيبِ الْعَامِلِ وَالشَّرِكَةِ فِي الثَّمَرِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَالشَّجَرِ وَأَمَّا بَيَانُ الْبَذْرِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُمْكِنُ فِي الْمُسَاقَاةِ (إلَّا لِمُدَّةٍ فَإِنَّهَا) أَيْ الْمُسَاقَاةَ (تَصِحُّ بِلَا ذِكْرِهَا) أَيْ بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ اسْتِحْسَانًا فَإِنَّ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ وَقْتًا مَعْلُومًا وَقَلَّ مَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرَّطْبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا خَرِيفًا وَصَيْفًا وَرَبِيعًا وَالِانْتِهَاءَ بِنَاءً عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَغَيْرُهُ وَشُرُوطًا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ وَالثَّانِي إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ يَتْرُكُ بِلَا أَجْرٍ وَيَعْمَلُ بِلَا أَجْرٍ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِأَجْرٍ وَالثَّالِثُ إذَا اسْتَحَقَّ النَّخِيلَ يَرْجِعُ الْعَامِلُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِقِيمَةِ الزَّرْعِ وَالرَّابِعُ مَا بُيِّنَ فِي الْمَتْنِ.
(وَتَقَعُ) مُدَّةُ الْمُسَاقَاةِ (عَلَى) مُدَّةِ (أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ) فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَأَوَّلُ الْمُدَّةِ وَقْتُ الْعَمَلِ فِي الثَّمَرِ الْمَعْلُومِ وَآخِرُهَا وَقْتُ إدْرَاكِهِ الْمَعْلُومُ فَتَجُوزُ.
وَفِي الْمِنَحِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ فَتَكُونُ لَهُ ثَمَرَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ فِيهَا انْتَقَضَتْ الْمُسَاقَاةُ.
(وَ) تَقَعُ (فِي الرَّطْبَةِ عَلَى إدْرَاكِ بَذْرِهَا) أَيْ دَفْعِ الرَّطْبَةِ لِإِدْرَاكِ الْبَذْرِ كَدَفْعِ الشَّجَرِ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ يَعْنِي إذَا دَفَعَهَا بَعْدَ مَا تَنَاهَى نَبَاتُهَا وَلَمْ يَخْرُجْ بَذْرُهَا فَيَقُومُ عَلَيْهَا لِيَخْرُجَ الْبَذْرُ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَلَوْ دَفَعَ نَخِيلًا أَوْ أُصُولَ رَطْبَةٍ لِيَقُومَ عَلَيْهَا) مَعْنَاهَا حَتَّى يَذْهَبَ أُصُولُهَا أَوْ يَنْقَطِعُ نَبَاتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَتَى ذَلِكَ (أَوْ أَطْلَقَ فِي الرَّطْبَةِ) يَعْنِي لَمْ يَقُلْ حَتَّى يَذْهَبَ أُصُولُهَا (فَسَدَتْ) الْمُعَامَلَةُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيَّ وَقْتٍ أَوْ جُزْءٍ مِنْهَا حَتَّى لَوْ عَرَفَ جَازَ كَمَا لَوْ أَطْلَقَ فِي النَّخْلِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الثَّمَرَةِ الْأُولَى.
(وَيُفْسِدُهَا) أَيْ الْمُسَاقَاةَ (ذِكْرُ مُدَّةٍ لَا يَخْرُجُ الثَّمَرُ فِيهَا) أَيْ فِي الْمُدَّةِ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ.
(وَإِنْ اُحْتُمِلَ خُرُوجُهَا) أَيْ خُرُوجُ الثَّمَرِ فِيهَا (وَعَدَمُهُ) أَيْ عَدَمُ خُرُوجِهَا فِيهَا (جَازَتْ) الْمُسَاقَاةُ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ (فَإِنْ خَرَجَ) الثَّمَرُ (فِيهَا) أَيْ الْمُدَّةِ (فَعَلَى الشَّرْطِ) الَّذِي شَرَطَاهُ لِتَحْقِيقِ الْمَرَامِ.
(وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْمُدَّةِ (فَسَدَتْ) الْمُسَاقَاةُ (وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ) لِفَسَادِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأَ فِي الْمُدَّةِ الْمُسَمَّاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا عَلِمَ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْمِنَحِ كَلَامٌ فَإِنْ شِئْت فَارْجِعْ إلَيْهِ (وَكَذَا) أَيْ لِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلٍ (كُلُّ مَوْضِعٍ فَسَدَتْ) الْمُسَاقَاةُ (فِيهِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ) مِنْ الثَّمَرِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ أَنْ لَا يَخْرُجَ أَبَدًا لِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَمْ يَتَبَيَّنُ الْخَطَأُ فِي الْمُدَّةِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَا لَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ.
(وَتَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَالشَّجَرِ وَالرِّطَابِ) يَعْنِي الْبُقُولَ كَالْكُرَّاثِ وَالْإِسْفَانَاخِ وَنَحْوِهِمَا (وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ) عِنْدَنَا لِحَاجَةِ النَّاسِ فِي كُلِّهَا لَا فِي بَعْضِهَا وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّجَرَ هُنَا مَعَ انْفِهَامِهِ مِمَّا سَبَقَ وَذَكَرَ النَّخْلَ مَعَ دُخُولِهِ فِي الشَّجَرِ رَدًّا لِلشَّافِعِيِّ إذْ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ فِي الشَّجَرِ وَيَجُوزُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ لِوُقُوعِ الْأَثَرِ فِيهِمَا لَا فِي غَيْرِهِمَا (فَإِنْ كَانَ فِي الشَّجَرِ ثَمَرٌ إنْ كَانَ) الثَّمَرُ (يَزِيدُ بِالْعَمَلِ صَحَّتْ) الْمُسَاقَاةُ (وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَزِدْ بِالْعَمَلِ بِأَنْ انْتَهَى الثَّمَرُ (فَلَا) تَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ وَلَا أَثَرَ لِلْعَمَلِ بَعْدَ التَّنَاهِي؛ لِأَنَّ جَوَازَهُ قَبْلَ التَّنَاهِي لِلْحَاجَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا حَاجَةَ إلَى مِثْلِهِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ.
(وَكَذَا فِي الْمُزَارَعَةِ لَوْ دَفَعَ أَرْضًا فِيهَا بَقْلٌ) فَإِنَّهَا تَجُوزُ وَإِنْ اسْتَحْصَدَ وَأَدْرَكَ لَمْ تَجُزْ لِمَا قَرَّرْنَاهُ قُبَيْلَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ مَتَى عُقِدَتْ عَلَى مَا هُوَ فِي حَدِّ النُّمُوِّ وَالزِّيَادَةِ صَحَّتْ وَإِذَا عُقِدَتْ عَلَى مَا تَنَاهَى عِظَمُهُ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَزِيدُ فِي نَفْسِهِ بِسَبَبِ عَمَلِ الْعَامِلِ لَا تَصِحُّ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ خُرُوجُ الْأَشْجَارِ عَنْ حَدِّ الزِّيَادَةِ إذَا بَلَغَتْ وَأَثْمَرَتْ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَمَا قَبْلَ الْإِدْرَاكِ كَالسَّقْيِ وَالتَّلْقِيحِ وَالْحِفْظِ فَعَلَى الْعَامِلِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ عَمَلِهِ (وَمَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ (كَالْجِذَاذِ) أَيْ الْقَطْعِ (وَالْحِفْظِ) بَعْدَ الْجِذَاذِ (فَعَلَيْهِمَا)؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ صَارَ مِلْكًا مُشْتَرَكًا فِيهِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي نَحْوِ هَذَا الْعَمَلِ بِقَدْرِ الْحِصَصِ (وَلَوْ شَرَطَ) أَيْ مَا يُعْمَلُ بَعْدَهُ (عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ) الْمُسَاقَاةُ (اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْآخَرِ فَيَكُونُ مُفْسِدًا.

.ما تبطل به المساقاة:

(وَتَبْطُلُ) الْمُسَاقَاةُ (بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ (فَإِنْ كَانَ الثَّمَرُ خَامًا) أَيْ نِيئًا لَكِنْ فِي الْفَرَائِدِ كَلَامٌ إنْ شِئْت فَارْجِعْ إلَيْهِ (عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ تَمَامِ الْمُدَّةِ) عَلَى تَقْدِيرِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ فِيهَا (يَقُومُ الْعَامِلُ أَوْ وَارِثُهُ عَلَيْهِ) كَمَا كَانَ يَقُومُ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الثَّمَرُ قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ إنْ مَاتَ الدَّافِعُ فِي حَالِ أَنَّ الثَّمَرَ نِيءٌ يَقُومُ الْعَامِلُ عَلَيْهِ كَمَا قَامَ وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ وَالثَّمَرُ نِيءٌ يَقُومُ وَارِثُ الْعَامِلِ عَلَيْهِ كَمَا قَامَ مُوَرِّثُهُ (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَبَى الدَّافِعُ) عَلَى كَوْنِهِ حَيًّا (أَوْ وَرَثَتُهُ) إنْ مَيِّتًا أَيْ لَيْسَ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِهِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَلَا ضَرَرَ لِلدَّافِعِ وَلَا عَلَى وَرَثَتِهِ.
(فَإِنْ أَرَادَ الْعَامِلُ أَوْ وَارِثُهُ صَرْمَهُ) أَيْ قَطْعَهُ (بُسْرًا) وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ نِيئًا (خُيِّرَ الْآخَرُ) إنْ حَيًّا (أَوْ وَارِثُهُ) إنْ مَيِّتًا (بَيْنَ أَنْ يُقَسِّمُوهُ) أَيْ الْبُسْرَ (عَلَى الشَّرْطِ أَوْ يَدْفَعُوا قِيمَةَ نَصِيبِهِ) أَيْ نَصِيبَ الْعَامِلِ مِنْ الْبُسْرِ (أَوْ يُنْفِقُوا) عَلَى الْبُسْرِ حَتَّى يَبْلُغَ (وَيَرْجِعَ) عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقُوا فِي حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنْ الْبُسْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِمْ (كَمَا) مَرَّ (فِي الْمُزَارَعَةِ) عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَهُنَا وَجْهَ الْخِيَارِ فِيهَا فَلَا نُعِيدُ.
(وَلَا تُفْسَخُ) الْمُسَاقَاةُ (بِلَا عُذْرٍ)؛ لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَنْعَقِدُ إجَارَةً وَتَتِمُّ شَرِكَةً فَيَكُونُ انْفِسَاخُ عَقْدِهَا بِمَا تَفْسَخُ الْإِجَارَةُ بِهِ (وَمَرَضُ الْعَامِلِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْعَمَلِ عُذْرٌ) وَفِي الْهِدَايَةِ وَمِنْ الْأَعْذَارِ مَرَضُ الْعَامِلِ إذَا كَانَ يُضْعِفُهُ عَنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِ اسْتِئْجَارَ الْأُجَرَاءِ زِيَادَةَ ضَرَرٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يَلْتَزِمْهُ فَيُجْعَلُ عُذْرًا وَلَوْ أَرَادَ الْعَامِلُ تَرْكَ ذَلِكَ الْعَمَلِ هَلْ يَكُونُ عُذْرًا فِيهِ رِوَايَتَانِ وَتَأْوِيلُ أَحَدِهِمَا أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَمَلَ بِيَدِهِ فَيَكُونُ عُذْرًا مِنْ جِهَتِهِ.
(وَكَذَا كَوْنُهُ) أَيْ الْعَامِلِ (سَارِقًا يُخَافُ مِنْهُ عَلَى الثَّمَرِ أَوْ السَّعَفِ) قَبْلَ الْإِدْرَاكِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ صَاحِبَ الْأَرْضِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَتَفْسَخُ بِهِ.
(وَلَوْ دَفَعَ فَضَاءً) أَيْ أَرْضًا بَيْضَاءَ إلَى رَجُلٍ (مُدَّةً مَعْلُومَةً لِمَنْ يَغْرِسُ) فِيهَا شَجَرًا (لِتَكُونَ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا) لَا يَصِحُّ لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ فِيمَا كَانَ حَاصِلًا لِلدَّافِعِ قَبْلَ الشَّرِكَةِ بِلَا عَمَلِهِ (وَالشَّجَرُ) الَّذِي يُغْرَسُ (لِرَبِّ الْأَرْضِ) لِوُقُوعِ الْغَرْسِ بِالتَّرَاضِي فَيَتْبَعُ الْأَرْضَ لِاتِّصَالِهِ بِهَا (وَلِلْغَارِسِ قِيمَةُ غَرْسِهِ وَ) أَجْرُ مِثْلِ (عَمَلِهِ)؛ لِأَنَّهُ ابْتَغَى لِعَمَلِهِ أَجْرًا وَهُوَ نِصْفُ الْأَرْضِ أَوْ نِصْفُ الْخَارِجِ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ قِيلَ حِيلَةُ الْجَوَازِ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَ الْأَغْرَاسِ بِنِصْفِ الْأَرْضِ وَيَسْتَأْجِرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْعَامِلَ ثَلَاثَ سِنِينَ مَثَلًا بِشَيْءٍ قَلِيلٍ لِيَعْمَلَ فِي نَصِيبِهِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ ذَهَبَ الرِّبْحُ بِنَوَاةِ رَجُلٍ وَأَلْقَتْهَا فِي كَرْمِ آخَرَ فَنَبَتَ مِنْهَا شَجَرَةٌ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْكَرْمِ وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ خَوْخَةٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَتْ وَفِي الْمِنَحِ دَفَعَ كَرْمَهُ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ ثُمَّ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى النِّصْفِ إنْ زَادَ صَاحِبُ الْكَرْمِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ هِبَةُ مُشَاعٍ وَإِنْ زَادَ الْعَالُّ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ.

.كِتَابُ الذَّبَائِحِ:

وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمُسَاقَاةِ وَالذَّبَائِحِ إصْلَاحُ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِالْأَكْلِ فِي الْحَالِ لِلِانْتِفَاعِ فِي الْمَآلِ (الذَّبِيحَةُ اسْمُ مَا يُذْبَحُ) مَجَازًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ لِأَنَّ الذَّبِيحَةَ اسْمٌ لِمَا ذُبِحَ أَوْ لِمَا أُعَدَّ لِلذَّبْحِ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالذَّبِيحَةُ مَا يُسْتَذْبَحُ مِنْ النَّعَمِ فَإِنَّهُ مَنْقُولٌ إلَى الِاسْمِيَّةِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إذْ الذَّبِيحُ اسْمُ مَا ذُبِحَ فَلَيْسَ الذَّبِيحَةُ الْمُذَكَّاةُ كَمَا ظَنَّ وَالْمُرَادُ ذَبْحُ الذَّبَائِحِ (وَالذَّبْحُ) فِي الشَّرْعِ (قَطْعُ الْأَوْدَاجِ) جَمْعُ وَدَجٍ وَالْمُرَادُ الْوَدَجَانِ وَالْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْأَوْدَاجِ تَغْلِيبًا كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ الذَّبَائِحُ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَهِيَ اسْمٌ لِلْمَذْبُوحِ وَالذَّبْحُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ ذَبَحَ إذَا قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ كَالذَّبِيحَةِ وَالذَّكْوَةُ الذَّبْحُ وَهِيَ اسْمٌ مِنْ ذَكَّى الذَّبِيحَةَ تَذْكِيَةً إذَا ذَبَحَهَا قَالَ حَرَّمَ ذَبِيحَةً لَمْ تُذَكَّ قِيلَ يُرَادُ بِالذَّبِيحَةِ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ فَالْمَعْنَى حُرِّمَ حَيَوَانٌ مِنْ شَأْنِهِ الذَّبْحُ إذَا لَمْ يُذْبَحْ فَيَخْرُجُ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمَا الذَّبْحُ وَقِيلَ يُرَادُ بِهَا مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ فَالْمَعْنَى حُرِّمَ مَذْبُوحٌ لَمْ يُذَكَّ بِمَعْنَى لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَهَذَا لَا يَتَنَاوَلُ حُرْمَةَ مَا لَيْسَ بِمَذْبُوحٍ كَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَنَحْوِهِمَا تَنَاوُلًا ظَاهِرًا وَقِيلَ الْمَعْنَى حُرِّمَ مَذْبُوحٌ لَمْ يُذْبَحْ ذَبْحًا شَرْعِيًّا فَحِينَئِذٍ يُفْهَمُ حُرْمَةٌ مِثْلُ التَّرْدِيَةِ وَالنَّطِيحَةِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ فَإِنَّ مَا كَانَ حَرَامًا إذَا لَمْ يُذَكَّ حَالَ كَوْنِهِ مَذْبُوحًا فَحُرْمَةُ مَا لَمْ يُذَكَّ حَالَ عَدَمِ كَوْنِهِ مَذْبُوحًا أَحْرَى وَأَلْيَقُ وَحُكْمُهُ إلَى الْفَهْمِ أَسْبَقُ لَكِنْ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ السَّمَكُ يُقَالُ حَمْلُ الذَّبِيحَةِ عَلَى مَعْنَاهَا الْمَجَازِيِّ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ إذْ فِي تَنَاوُلِ الْحَقِيقِيِّ لِحُرْمَةِ بَعْضِ الصُّوَرِ تَكَلُّفٌ وَفِي إخْرَاجِ مَا لَمْ يُذْبَحْ مِنْهُ تَعَسُّفٌ.
(وَتَحِلُّ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ وَكِتَابِيٍّ ذِمِّيٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ) أَمَّا الْمُسْلِمُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا الْكِتَابِيُّ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وَالْمُرَادُ بِهِ مُذَكَّاهُمْ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الطَّعَامِ غَيْرِ الْمُذَكَّى يَحِلُّ مِنْ أَيِّ كَافِرٍ كَانَ.
وَفِي الْمِنَحِ الْمُوَلَّدُ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ تَحِلُّ.
وَفِي التَّجْرِيدِ وَلَوْ أَهَلَّ نَصْرَانِيٌّ عَلَى ذَبِيحَتِهِ بِغَيْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُسْمَعُ كَلَامُهُ لَمْ تُؤْكَلْ وَمَنْ لَمْ يُشَاهِدْ ذَبْحَهُ مِنْهُمْ حَلَّ أَكْلُ ذَبِيحَتِهِمْ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ قَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي النِّكَاحِ.
(وَلَوْ) كَانَ الذَّابِحُ (امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا يَعْقِلَانِ) حَلَّ الذَّبِيحَةُ بِالتَّسْمِيَةِ وَيَضْبِطَانِ شَرَائِطَ الذَّبْحِ وَيَقْدِرَانِ عَلَى الذَّبْحِ.
وَفِي الْإِصْلَاحِ فَمَنْ لَا يَعْقِلْ وَلَا يَضْبِطُ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ (أَوْ) كَانَ الذَّابِحُ (أَخْرَسَ) لِأَنَّ الْأَخْرَسَ عَاجِزٌ عَنْ الذِّكْرِ مَعْذُورٌ وَتَقُومُ الْمِلَّةُ مَقَامَ تَسْمِيَتِهِ كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى (أَوْ أَقْلَفَ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأَقْلَفَ مَعَ أَنَّ حِلَّ ذَبِيحَتِهِ يُفْهَمُ مِمَّا سَلَفَ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ يَقُولُ شَهَادَةُ الْأَقْلَفِ وَذَبِيحَتُهُ لَا تَجُوزُ مَنْعًا عَنْ تَرْكِ الْخَتْنِ بِلَا عُذْرٍ.
(لَا) تَحِلُّ (ذَبِيحَةُ وَثَنِيٍّ) لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ كَالْمَجُوسِ وَهُوَ الَّذِي يَعْبُدُ الْوَثَنَ وَهُوَ الصَّنَمُ هَذَا عِنْدَهُمَا وَأَمَّا عِنْدَهُ تَحِلُّ لَكِنْ لَا خِلَافَ حَقِيقَةً عَلَى مَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ (أَوْ مَجُوسِيٍّ)؛ لِأَنَّهُ مُشْرِكٌ لَيْسَ لَهُ احْتِمَالُ مِلَّةِ التَّوْحِيدِ (أَوْ مُرْتَدٍّ) لِأَنَّهُ لَا مِلَّةَ لَهُ حَيْثُ تَرَكَ مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُقِرَّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عِنْدَنَا بِخِلَافِ الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ أَوْ الْعَكْسُ أَوْ تَنَصَّرَ الْمَجُوسِيُّ أَوْ تَهَوَّدَ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ عِنْدَنَا فَيُعْتَبَرُ مَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ تَمَجَّسَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ وَلَا ذَبِيحَتُهُ (أَوْ تَارِكِ التَّسْمِيَةِ) حَالَ كَوْنِهِ (عَمْدًا) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كِتَابِيًّا عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا لَا يَسَعُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِهِ لَا يَنْفُذُ.
وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ تَفْصِيلٌ وَلِحَاشِيَتِهِ لِلْآخَرِ مُنَاقَشَةٌ فَلْيُرْجِعْهُمَا وَفِي الْهِدَايَةِ لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ إشْعَارُ التَّسْمِيَةِ شَرْطٌ لِلْحِلِّ وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَلَوْ قَالَ اللَّهُ أَوْ غَيْرُهُ مَرِيدًا لَهُ جَازَ فَلَوْ سَمَّى وَلَمْ يَنْوِ الذَّبْحَ لَمْ يَحِلَّ وَحَسَنٌ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْبَقَّالِيُّ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَكَذَا عِنْدَ الْحَلْوَانِيُّ إلَّا إنَّهُ كَرِهَهُ مَعَ الْوَاوِ وَلَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَثَرِ بِالْوَاوِ فَلَا يُكْرَهُ وَإِنَّمَا حَلَّ الْأَكْلُ إذَا سَمَّى عَلَى الذَّبِيحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَمَّى عِنْدَ الذَّبْحِ لِافْتِتَاحِ عَمَلٍ آخَرَ لَمْ يَحِلَّ لِمَا فِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ سَمَّى وَلَمْ يَحْضُرْهُ النِّيَّةُ صَحَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ بِالتَّسْمِيَةِ التَّبَرُّكَ فِي ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَرَادَ بِهِ مُنَاجَاةَ الْمُؤَذِّنِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي التَّسْمِيَةِ يَحِلُّ وَكَذَا إذَا فَصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسْمِيَةِ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ لَمْ يَحِلَّ وَكَذَا لَوْ سَمَّى وَذَبَحَ لِقُدُومِ الْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُظَمَاءِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ ذَبَحَ تَعْظِيمًا لَهُ لَا لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ لِلضَّيْفِ فَإِنَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى (فَإِنْ تَرَكَهَا) أَيْ التَّسْمِيَةَ (نَاسِيًا تَحِلُّ) ذَبِيحَتُهُ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَرْفُوعٌ حُكْمُهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ.
(وَكَرِهَ) الْمَذْبُوحُ (أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ وَصْلًا دُونً عَطْفٍ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِالرَّفْعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً لَكِنْ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْقُرْآنِ وَالْوَصْلُ صُورَةٌ وَإِنْ قَالَ بِالْخَفْضِ لَا يَحِلُّ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ أَكَلَ ذَبِيحَتَهُ (وَ) كَرِهَ (أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ) فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يَكُنْ الذَّبْحُ وَاقِعًا عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبِيلَهُ (فَإِنْ قَالَهُ) أَيْ قَوْلَهُ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ (قَبْلَ الْإِضْجَاعِ) أَوْ بَعْدَ الْإِضْجَاعِ (أَوْ) قَبْلَ (التَّسْمِيَةِ أَوْ بَعْدَ الذَّبْحِ لَا يُكْرَهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ أُضْحِيَّتَهُ يَقُولُ هَذَا مِنْك وَلَك إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أَمَرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْحَجِّ ثُمَّ يَذْبَحُ وَيَقُولُ بَعْدَهُ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِمَّنْ شَهِدَ لَك بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِي بِالْبَلَاغِ».
(وَإِنْ عَطَفَ حُرِّمَتْ) ذَبِيحَتُهُ (نَحْوُ بِاسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ بِالْجَرِّ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْإِعْرَابُ بَلْ يَحْرُمُ أَكْلُ الذَّبِيحَةِ مُطْلَقًا بِالْعَطْفِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ وَبِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بِالْخَفْضِ وَلَوْ رَفَعَ الْمَعْطُوفَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَحِلُّ وَاخْتَلَفُوا فِي النَّصْبِ وَيُكْرَهُ فِيهِمَا بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الْوَصْلِ صُورَةً.
(وَكَذَا) تَحْرُمُ (إنْ أَضْجَعَ شَاةً وَسَمَّى) ثُمَّ تَرَكَهَا وَلَمْ يَذْبَحْهَا (وَذَبَحَ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ هَذِهِ الشَّاةِ (بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ)؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي الذَّبْحِ مَشْرُوطَةٌ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَلَمْ تَقَعْ عَلَى الثَّانِيَةِ فَتَحْرُمُ.
(وَإِنْ ذَبَحَهَا) أَيْ الذَّبِيحَةَ الْأُولَى (بِشَفْرَةٍ أُخْرَى حَلَّتْ)؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ هُنَا.
(وَإِنْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَأَصَابَ) السَّهْمُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ ذَلِكَ الصَّيْدِ (أَكَلَ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ هُنَا عَلَى الْآلَةِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ هُوَ الرَّمْيُ دُونَ الْإِصَابَةِ عَلَى مَا قَصَدَهُ) وَإِنْ سَمَّى عَلَى سَهْمٍ وَرَمَى بِغَيْرِهِ (أَيْ بِغَيْرِ ذَلِكَ السَّهْمِ الَّذِي سَمَّى عَلَيْهِ) لَا يُؤْكَلُ (؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ التَّسْمِيَةَ) عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ فَكَانَ رَمْيُهُ بِلَا تَسْمِيَةٍ.
(وَالْإِرْسَالَ) أَيْ إرْسَالَ الْكَلْبِ وَالْجَارِحِ (كَالرَّمْيِ) حُكْمًا فَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى صَيْدٍ وَسَمَّى فَتَرَكَ الْكَلْبَ ذَلِكَ الصَّيْدَ فَأَخَذَ غَيْرَهُ حَلَّ لِتَعْلِيقِ التَّسْمِيَةِ بِالْآلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَ كَلْبًا وَسَمَّى ثُمَّ تَرَكَ وَأَرْسَلَ آخَرَ فَأَصَابَ لَا يُؤْكَلُ لِعَدَمِ وُجُودِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الْآلَةِ وَهُوَ الشَّرْطُ.
وَفِي الْمِنَحِ وَيُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ حَالَ الذَّبْحِ وَفِي الرَّمْيِ عِنْدَ الرَّمْيِ وَفِي الْإِرْسَالِ عِنْدَ الْإِرْسَالِ وَالْمُعْتَبَرُ الذَّبْحُ عَقِيبَ التَّسْمِيَةِ قَبْلَ تَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ.
(وَالشَّرْطُ) فِي التَّسْمِيَةِ (الذِّكْرُ الْخَالِصُ) الْمُجَرَّدُ عَنْ شَوْبِ الدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ جُرِّدُوا التَّسْمِيَةَ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ قَالَ) عِنْدَ الذَّبْحِ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَا يَحِلُّ)؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ (وَبِالْحَمْدِ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ) يُرِيدُ بِهِ التَّسْمِيَةُ (يَحِلُّ)؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ خَالِصٌ فَيَقُومُ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ (لَا) يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ (لَوْ عَطَسَ) عِنْدَ الذَّبْحِ (وَحَمِدَ لَهُ) لِأَنَّهُ (يُرِيدُ الْحَمْدَ لِلَّهِ عَلَى النِّعْمَةِ) دُونَ التَّسْمِيَةِ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ حَيْثُ يَجْزِيهِ ذَلِكَ عَنْ الْخُطْبَةِ إذَا نَوَى؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا وَفِي الذَّبِيحَةِ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الذَّكَرُ عَلَى الْمَذْبُوحِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَفِي قَوَاعِدِ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي الْخُطْبَةِ لِلْجُمُعَةِ فَشَرَطَ لِصِحَّتِهَا حَتَّى لَوْ عَطَسَ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْعُطَاسِ غَيْرَ قَاصِدٍ لَهَا لَمْ تَصِحَّ.
(وَالسُّنَّةُ نَحْرُ الْإِبِلِ) أَيْ قَطْعُ عُرُوقِهَا الْكَائِنَةِ فِي أَسْفَلِ عُنُقِهَا عِنْدَ صُدُورِهَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ النَّحْرِ عَنْهَا لَا لَحْمَ عَلَيْهِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْحَلْقِ عَلَيْهِ لَحْمٌ غَلِيظٌ فَالنَّحْرُ أَسْهَلُ مِنْ الذَّبْحِ (وَذَبْحُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ)؛ لِأَنَّ أَسْفَلَ الْحَلْقِ وَأَعْلَاهُ سَوَاءٌ فِي اللَّحْمِ مِنْهُمَا وَالذَّبْحُ أَيْسَرُ (وَيُكْرَهُ الْعَكْسُ) أَيْ ذَبْحُ الْإِبِلِ وَنَحْرُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارِثَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ} أَيْ انْحَرْ الْجَزُورَ (وَيَحِلُّ) لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِلِّ وَهُوَ قَطْعُ الْعُرُوقِ وَإِنْهَارُ الدَّمِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْحَرَ الْبَعِيرَ قَائِمًا وَيَذْبَحَ الشَّاةَ مُضْطَجِعَةً وَكَذَا الْبَقَرُ (وَالذَّبْحُ) أَيْ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ (بَيْنَ الْحَلْقِ) هُوَ الْحُلْقُومُ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ (وَاللَّبَّة) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ هِيَ الْمَنْحَرُ مِنْ الصَّدْرِ عَلَى مَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ الْمَبْسُوطَةِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مَحَلُّ الذَّكْوَةِ الْحَلْقُ كُلُّهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الذَّكْوَةِ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ» وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهُ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ وَأَوْسَطَهُ وَعَنْ هَذَا قَالَ (أَعْلَى الْحَلْقِ أَوْ أَسْفَلَهُ أَوْ أَوْسَطَهُ) فَيَكُونُ عَطْفُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ بَيْنَ قَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ.
وَفِي الْكَافِي إنَّ مَا بَيْنَهُمَا هُوَ الْحَلْقُ كُلُّهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحَلْقَ وَهُوَ الْحُلْقُومُ فَظَهَرَ فَسَادُ مَا فِي الْكِفَايَةِ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ الذَّبْحَ لَوْ وَقَعَ فِي أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ كَانَ الْمَذْبُوحُ حَلَالًا لِكَوْنِهِ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الذَّبْحَ إذَا وَقَعَ فِي أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ لَا يَحِلُّ انْتَهَى لَكِنْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَالْحَلْقُ فِي الْأَصْلِ الْحُلْقُومُ اُسْتُعْمِلَ فِي بَعْضِ الْعُنُقِ بِعَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ لِقَرِينَةِ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالذَّخِيرَةِ وَكَلَامِ التُّحْفَةِ وَالْعَتَّابِيِّ وَالْكَافِي وَالْمُضْمِرَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُنُقِ بِعَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ بِقَرِينَةِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ فَالْمَعْنَى مِنْ مَبْدَأِ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ فَالْمَذْبَحُ عِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْعُقْدَةِ وَعِنْدَ الْآخَرَيْنِ مِنْ أَصْلِ الْعُنُقِ فَمِنْ الظَّنِّ الْفَاسِدِ إفْسَادُ كَلَامِ الْكِفَايَةِ بِنَاءً عَلَى كَلَامِ الْآخَرَيْنِ مَعَ إنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِ حَيْثُ نَقَلَهُ هُوَ هَكَذَا مُقْتَضَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ الذَّبْحَ لَوْ وَقَعَ فِي أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ كَانَ الْمَذْبُوحُ حَلَالًا وَكَلَامُهُ هَكَذَا هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَحِلَّ وَإِنْ وَقَعَ الذَّبْحُ فَوْقَ الْحَلْقِ قَبْلَ الْعُقْدَةِ وَلَوْ جَعَلَ بَيْنَ بِمَعْنَى فِي كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ لَمْ يَسْتَقِمْ كَمَا لَا يَخْفَى (وَقِيلَ لَا يَجُوزُ فَوْقَ الْعُقْدَةِ) وَإِنَّمَا أَتَى بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ لِمُخَالَفَةِ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي مَرَّ آنِفًا.
(وَالْعُرُوقِ) أَيْ عُرُوقِ الذَّبْحِ الِاخْتِيَارِيِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنْ بَعِيدٌ بَلْ الْأَوْلَى عُرُوقُ الْحَلْقِ فِي الْمَذْبَحِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَّكْوَةِ) أَرْبَعَةٌ (الْحُلْقُومُ) مَجْرَى النَّفَسِ (وَالْمَرِيءُ) مَهْمُوزُ اللَّامِ فَعِيلٌ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَصْلُهُ رَأْسُ الْمَعِدَةِ الْمُتَّصِلَةُ بِالْحُلْقُومِ كَمَا فِي الدِّيوَانِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الطَّلَبَةِ أَنَّ الْحُلْقُومَ مَجْرَى الطَّعَامِ وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الشَّرَابِ وَفِي الْعَيْنِيِّ أَنَّ الْحُلْقُومَ مَجْرَاهُمَا.
وَفِي الْمَبْسُوطَيْنِ أَنَّهُمَا عَكْسُ مَا ذَكَرْنَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَمَّا الْحُلْقُومُ فَيُخَالِفُ الْمَرِيءَ فَإِنَّهُ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَاءِ وَالْمَرِيءُ مَجْرَى النَّفَسِ (وَالْوَدَجَانِ) تَثْنِيَةُ وَدَجٍ بِفَتْحَتَيْنِ عِرْقَانِ عَظِيمَانِ فِي جَانِبِ قُدَّامِ الْعُنُقِ بَيْنَهُمَا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ (وَيَكْفِي قَطْعُ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ (أَيًّا كَانَتْ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ وَبِهِ كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا سَيَأْتِي (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ (لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَكْثَرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ (وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُنْفَصِلٌ عَنْ الْآخَرِ وَالْأَمْرُ وَرَدَ بِقَطْعِهِ فَقَامَ الْأَكْثَرُ مَقَامَ الْكُلِّ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ) وَلَا يَكْتَفِي بِوَاحِدٍ مِنْهَا (وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لِلْآخِرِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِهِمَا وَأَمَّا الْوَدَجَانِ فَالْمَقْصُودُ مِنْ قَطْعِهِمَا إنْهَارُ الدَّمِ فَيَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْكُلِّ (وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَهُ) أَيْ مَعَ أَبِي يُوسُفَ.
وَفِي الْهِدَايَةِ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ وَكَوْنُ مُحَمَّدٍ مَعَهُ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ.
(وَيَجُوزُ الذَّبْحُ بِكُلِّ مَا أَفْرَى الْأَوْدَاجَ) أَيْ قَطْع الْعُرُوقَ وَأَخْرَجَ مَا فِيهَا مِنْ الدَّمِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَوْدَاجِ هَهُنَا كُلُّ الْأَرْبَعَةِ تَغْلِيبًا (وَأَنْهَرَ الدَّمَ) يَعْنِي أَسَالَهُ مِنْ نَهَرَ الْمَاءَ فِي الْأَرْضِ سَالَ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (مَرْوَة) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ يَجُوزُ الذَّبْحُ بِهَا وَهِيَ حَجَرٌ أَبْيَضُ يُذْبَحُ بِهَا كَالسِّكِّينِ (أَوْ لِيطَةً) بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْيَاءِ هِيَ قِشْرُ الْقَصَبِ (أَوْ سِنًّا أَوْ ظُفُرًا مَنْزُوعِينَ) إذْ بِهِمَا تَحِلُّ الذَّبِيحَةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَنْهِرْ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» وَيُرْوَى «أَفْرِ الْأَوْدَاجَ بِمَا شِئْت» (لَا) تَحِلُّ (بِالْقَائِمِينَ) أَيْ مُتَّصِلِينَ بِمَوْضِعِهِمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الذَّبِيحَةُ مَيْتَةٌ وَلَوْ كَانَا مَنْزُوعِينَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَا خَلَا الظُّفُرَ وَالسِّنَّ وَأَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعِ فَإِنَّهُ الصَّادِرُ مِنْ الْحَبَشَةِ.
(وَنُدِبَ إحْدَادُ الشَّفْرَةِ) قَبْلَ الْإِضْجَاعِ لِوُرُودِ الْأَثَرِ وَأَنْ يُضْجِعَ بِالرِّفْقِ وَعَلَى الْيَسَارِ وَيُوَجِّهَ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُشَدَّ مِنْهَا ثَلَاثَ قَوَائِمَ فَقَطْ وَيَذْبَحَ بِالْيَمِينِ وَيُسْرِعَ عَلَى الذَّبْحِ وَإِجْرَاءُ الشَّفْرَةِ عَلَى الْحَلْقِ (وَكَرِهَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْإِضْجَاعِ إشْفَاقًا عَلَى الْمَذْبُوحِ.
(وَكَذَا) كُرِهَ (جَرُّهَا بِرِجْلِهَا) أَيْ الذَّبِيحَةِ (إلَى الْمَذْبَحِ) إرْفَاقًا لَهَا (وَالنَّخْعُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَنْ يَصِلَ إلَى النُّخَاعِ وَهُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ لِزِيَادَةِ أَلَمٍ بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهَا حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحَهَا وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ رَقَبَتَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ.
(وَ) كُرِهَ (قَطْعُ الرَّأْسِ وَالسَّلْخُ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ وَالذَّبْحُ مِنْ الْقَفَاءِ) إذْ هُوَ عَذَابٌ فَوْقَ الْعَذَابِ.
(وَتَحِلُّ) الذَّبِيحَةُ لَوْ ذَبَحَهَا مِنْ الْقَفَاءِ (إنْ بَقِيَتْ حَيَّةً حَتَّى قُطِعَتْ الْعُرُوقُ) لِيَتَحَقَّقَ الْمَوْتُ بِمَا هُوَ ذَكَاةٌ كَمَا إذَا جَرَحَهَا ثُمَّ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ (وَإِلَّا) أَيْ لَمْ تَبْقَ بَلْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ (فَلَا) تَحِلُّ وَلَا تُؤْكَلُ لِوُجُودِ مَا لَيْسَ بِذَكْوَةٍ كَمَا لَوْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا (وَلَزِمَ ذَبْحُ صَيْدٍ اُسْتُؤْنِسَ) كَالظَّبْيِ إذَا تَأَلَّفَ فِي الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يُذْبَحُ لِإِمْكَانِهِ.
(وَجَازَ جَرْحُ نَعَمٍ) بِفَتْحَتَيْنِ مِثْلُ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ (تَوَحَّشَ) بِأَنْ نَدَّ عَنْ أَهْلِهِ وَدَخَلَ فِي الْبَادِيَةِ وَصَارَ وَحْشِيًّا؛ لِأَنَّ الذَّكْوَةَ الِاخْتِيَارِيَّةَ تَعَذَّرَتْ فَيُذَكَّى بِالْجُرْحِ فِي بَدَنِهِ حَيْثُ اتَّفَقَ كَالصَّيْدِ (أَوْ تَرَدَّى) حَيَوَانٌ (فِي بِئْرٍ إذَا لَمْ يُمْكِنْ ذَبْحُهُ) فَإِنَّهُ يُجْرَحُ وَيُؤْكَلُ إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ مِنْ الْجُرْحِ وَإِلَّا لَا وَإِنْ أَشْكَلَ ذَلِكَ أَكَلَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ وَكَذَا الدَّجَاجَةُ إذَا تَعَلَّقَتْ عَلَى شَجَرَةٍ وَخِيفَ مَوْتُهَا صَارَتْ ذَكْوَتُهَا الْجُرْحَ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ الْجَوَابَ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ الْغَنَمِ وَكَذَا فِيمَا تَرَدَّى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشَّاةَ إذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ بِالْعَقْرِ وَإِنْ نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ تَحِلُّ بِالْعَقْرِ وَفِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ فِي الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ فَتَحِلُّ بِالْعَقْرِ.
وَقَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُ الذَّبْحُ فِي الْوَجْهَيْنِ لَا الْجُرْحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ وَلَا عِبْرَةَ لِلنَّادِرِ فِي الْأَحْكَامِ.
(وَلَا يَحِلُّ الْجَنِينُ بِذَكْوَةِ أُمِّهِ أَشْعَرَ أَوْ لَا) حَتَّى لَوْ نَحَرَ نَاقَةً أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ لَمْ تُؤْكَلْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَزُفَرَ وَحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ فِي حَيَاتِهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ ذَكْوَةٌ اسْتِقْلَالِيَّةٌ (وَقَالَا يَحِلُّ إنْ تَمَّ خَلْقُهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ.

.فَصْلٌ فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا لَا يَحِلُّ:

(وَيَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ ذِي) أَيْ صَاحِبِ (نَابٍ) هُوَ كُلُّ حَيَوَانٍ يَنْتَهِبُ بِالنَّابِ كَالذِّئْبِ مِنْ سَبُعٍ هُوَ كُلُّ جَارِحٍ مُنْتَهِبٍ قَاتِلٍ (أَوْ) يَحْرُمُ كُلُّ ذِي (مِخْلَبٍ) يَخْتَطِفُ بِالْمِخْلَبِ كَالْبَازِي مِنْ الطَّيْرِ فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا الْإِيذَاءُ بِالنَّابِ وَالْمِخْلَبِ وَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُرْمَةِ وَقَوْلُهُ (مِنْ سَبُعٍ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ ذِي نَابٍ وَقَوْلُهُ (أَوْ طَيْرٍ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ ذِي مِخْلَبٍ وَالْمُرَادُ مِنْ ذِي نَابٍ الَّذِي يَصِيدُ بِنَابِهِ وَمِنْ ذِي مِخْلَبٍ الَّذِي يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ لِأَكْلِ ذِي نَابٍ وَمِخْلَبٍ فَإِنَّ الْحَمَامَةَ لَهَا مِخْلَبٌ وَالْبَعِيرُ لَهُ نَابٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا «نَهَى صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ».
(وَلَوْ ضَبُعًا أَوْ ثَعْلَبًا) لِأَنَّهُمَا مِنْ السِّبَاعِ فَلَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُمَا كَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ أَهْلِيًّا أَوْ بَرِّيًّا فَيَكُونُ الْحَدِيثُ حُجَّةً عَلَى الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهِمَا.
(وَ) يَحْرُمُ أَكْلُ (الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «حَرَّمَ لُحُومَ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ» بِخِلَافِ الْوَحْشِيَّةِ فَإِنَّهَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ يَحِلُّ أَيْضًا فِي الْأَهْلِيَّةِ (وَالْبِغَالِ)؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحِمَارِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ فَرَسًا كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُ بَقَرَةً لَا يُؤْكَلُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ الْأُمُّ فِيمَا تُولَدُ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ (وَالْفِيلِ)؛ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ (وَالضَّبِّ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ السِّبَاعِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (وَالْيَرْبُوعِ وَابْنِ عُرْسٍ) يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيِّ راسو؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سِبَاعِ الْهَوَامِّ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَالزُّنْبُورِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤْذِيَاتِ (وَالسُّلَحْفَاةِ) الْبَرِّيَّةِ وَالْبَحْرِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ (وَالْحَشَرَاتِ) الصِّغَارِ مِنْ الدَّوَابِّ جَمْعُ الْحَشَرَةِ كَالْفَأْرَةِ وَالْوَزَغَةِ وَسَامِّ أَبْرَصَ وَالْقُنْفُذِ وَالْحَيَّةِ وَالضِّفْدَعِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلِ وَالذُّبَابِ وَالْبَعُوضِ وَالْقُرَادِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَبَائِثِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} وَمَا رُوِيَ مِنْ إبَاحَةِ الضَّبِّ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَبَائِثِ فَالْمُؤَثِّرُ فِي الْحُرْمَةِ الْخُبْثُ الْخُلُقِيِّ كَمَا فِي الْهَوَامِّ أَوْ بِعَارِضٍ كَمَا فِي الْجَلَّالَةِ كَبَقَرَةٍ تَتْبَعُ النَّجَسَ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي حُرْمِيَّةِ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ كَرَامَةُ بَنِي آدَمَ كَيْ لَا يَتَعَدَّى شَيْءٌ مِنْ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ إلَيْهِمْ بِالْأَكْلِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِدُودِ الزُّنْبُورِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا رُوحَ لَهُ لَا يُسَمَّى مَيْتَةً وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَشَرَاتِ مُحَرَّمَةٌ عِنْدَنَا حَلَالٌ مَكْرُوهٌ عِنْدَ غَيْرِنَا وَإِنَّ شَاةً لَوْ حَمَلَتْ مِنْ كَلْبٍ وَرَأْسُ وَلَدِهَا رَأْسُ الْكَلْبِ أُكِلَ إلَّا رَأْسَهُ إنْ أَكَلَ الْعَلَفَ دُونَ اللَّحْمِ أَوْ صَاحَ صِيَاحَ الْغَنَمِ لَا الْكَلْبِ أَوْ أَتَى بِالصُّورَتَيْنِ وَكَانَ لَهُ الْكَرِشُ لَا الْأَمْعَاءُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَيُكْرَهُ الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ) الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ (وَالْغُدَافُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي آخِرِهِ فَاءٌ نَوْعٌ مِنْ الْغُرَابِ لِأَكْلِهِمَا الْجِيَفَ (وَالرَّخَمُ) جَمْعُ رَخَمَةٍ وَهُوَ طَيْرٌ أَبْلَقُ يُشْبِهُ النَّسْرَ فِي الْخِلْقَةِ (وَالْبُغَاثُ) وَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ يُشْبِهُ الْعُصْفُورَ؛ لِأَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ الْجِيَفَ.
(وَ) يُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمُ (الْخَيْلِ تَحْرِيمًا) أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ عِنْدَ الْإِمَامِ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «نَهَى عَنْ لَحْمِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ» كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْكَرْمِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ كُنْت مُتَرَدِّدًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْمَنَامِ يَقُولُ لِي هُوَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ يَا عَبْدَ الرَّحِيمِ وَقِيلَ إنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَنْ حُرْمَةِ لَحْمِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي كِفَايَةِ الْبَيْهَقِيّ ثُمَّ إنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ (وَعِنْدَهُمَا) وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (لَا يُكْرَهُ) لَحْمُ (الْخَيْلِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «وَأَذِنَ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ يَوْمَ خَيْبَرَ».
(وَحَلَّ الْعَقْعَقُ)؛ لِأَنَّهُ يَخْلِطُ فِي أَكْلِهِ فَأَشْبَهَ الدَّجَاجَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ غَالِبَ مَأْكُولِهِ الْجِيَفُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (وَغُرَابُ الزَّرْعِ)؛ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْحَبَّ وَلَيْسَ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَلَا مِنْ الْخَبَائِثِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْغُرَابَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ يَأْكُلُ الْحَبَّ فَقَطْ وَهُوَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَنَوْعٌ يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَقَطْ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَنَوْعٌ يَأْكُلُ الْحَبَّ مَرَّةً وَالْجِيَفَ أُخْرَى وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (وَالْأَرْنَبُ) «لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوهُ حِينَ أُهْدِيَ إلَيْهِ مَشْوِيًّا» وَكَذَا الْوَبَرُ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ.
وَفِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّ الْخُفَّاشَ يُؤْكَلُ وَذَكَرَ فِي بَعْضِهَا لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ لَهُ نَابًا.
(وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ) وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ مَثْوَاهُ وَعَيْشُهُ فِي الْمَاءِ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} (إلَّا السَّمَكُ بِأَنْوَاعِهِ) غَيْرَ الطَّافِي.
وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ بِإِطْلَاقِ جَمِيعِ مَا فِي الْبَحْرِ وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْخِنْزِيرَ وَالْكَلْبَ وَالْإِنْسَانَ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَطْلَقَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَالْخِلَافُ فِي الْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَاحِدٌ لَهُمْ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَلِأَنَّهُ لَا دَمَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذْ الدَّمَوِيُّ لَا يَسْكُنُ فِي الْمَاءِ وَالْمُحَرَّمُ هُوَ الدَّمُ فَأَشْبَهَ السَّمَكَ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} وَمَا سِوَى السَّمَكِ خَبِيثٌ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دَوَاءٍ يُتَّخَذُ فِيهِ الضِّفْدَعُ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ السَّرَطَانِ» وَالصَّيْدِ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَلَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ مُبَاحٌ فِيمَا لَا يَحِلُّ وَالْمَيْتَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا رُوِيَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَكِ وَهُوَ حَلَالٌ مُسْتَثْنًى عَنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أُحِلَّتْ لَنَا مَيِّتَتَانِ وَدَمَانِ أَمَّا الْمَيِّتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» (كَالْجِرِّيثِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ نَوْعٌ مِنْ السَّمَكِ غَيْرِ الْمَارْمَاهِيِّ (وَالْمَارْمَاهِيِّ) وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُمَا بِالذِّكْرِ لِمَكَانِ الْخَفَاءِ فِي كَوْنِهِمَا مِنْ جِنْسِ السَّمَكِ وَلِمَكَانِ الْخِلَافِ فِيهِمَا لِمُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ وَمَا قِيلَ أَنَّ الْجِرِّيثَ كَانَ دَيُّوثًا يَدْعُو النَّاسَ إلَى حَلِيلَتِهِ فَمَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا نَسْلَ لَهُ وَلَا يَقَعُ بَاقِيًا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنَّ الْمَارْمَاهِيَّ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحَيَّةِ لَيْسَ بِوَاقِعٍ بَلْ هُوَ جِنْسٌ شَبِيهٌ بِهَا صُورَةً (وَلَا يُؤْكَلُ الطَّافِي مِنْهُ) هُوَ السَّمَكُ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ بِلَا سَبَبٍ ثُمَّ يَعْلُو فَيَظْهَرُ حَتَّى إذَا انْحَسَرَ عَنْهُ الْمَاءُ يَجُوزُ أَكْلُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلْ» وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إذَا انْحَسَرَ الْمَاءُ عَنْ بَعْضِهِ فَإِنْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ كَانَ ذَنَبُهُ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ يُؤْكَلُ إذْ هَذَا سَبَبٌ لِمَوْتِهِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا وُجِدَ السَّمَكُ مَيْتًا عَلَى الْمَاءِ وَبَطْنُهُ مِنْ فَوْقٍ لَمْ يُؤْكَلْ؛ لِأَنَّهُ طَافَ.
وَإِنْ كَانَ ظَهْرُهُ مِنْ فَوْقٍ أُكِلَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَافٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ مَيْتَةَ الْبَحْرِ مَوْصُوفَةٌ بِالْحِلِّ بِالْحَدِيثِ وَلَنَا مَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ «مَا انْصَبَّ عَنْهُ الْمَاءُ فَكُلُوا وَمَا لَفَظَهُ الْمَاءُ فَكُلُوا وَمَا طَفِئَ فَلَا تَأْكُلُوا».
(وَإِنْ مَاتَ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ) أَوْ فِي كَدَرِ الْمَاءِ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ يُؤْكَلُ لِوُجُودِ السَّبَبِ بِمَوْتِهَا.
وَفِي الْمِنَحِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي أُخْرَى لَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَقْتُلُ السَّمَكَ حَارًّا أَوْ بَارِدًا وَبِهِ أَخَذَ السَّرَخْسِيُّ.
وَفِي الدُّرَرِ وَإِنْ ضَرَبَ سَمَكَةً فَقَطَعَ بَعْضَهَا يَحِلُّ أَكْلُهُ مَا أَبَيْنَ وَمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبٍ وَمَا أَبَيْنَ مِنْ الْحَيِّ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ لِلْحَدِيثِ وَكَذَا إنْ وُجِدَ فِي بَطْنِهَا سَمَكَةٌ أُخْرَى؛ لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهَا وَكَذَا إنْ قَتَلَهَا شَيْءٌ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ أَوْ مَاتَتْ فِي جُبِّ مَاءٍ أَوْ جَمَعَهَا فِي حَظِيرَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا بِغَيْرِ صَيْدٍ فَمِتْنَ فِيهَا؛ لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهَا وَإِذَا مَاتَتْ فِي الشَّبَكَةِ وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخْلِيصِ مِنْهَا أَوْ أَكَلَ شَيْئًا أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ لِيَأْكُلَهُ فَمَاتَتْ مِنْهُ أَوْ رَبَطَهَا فِي الْمَاءِ فَمَاتَتْ أَوْ انْجَمَدَ الْمَاءُ فَبَقِيَتْ بَيْنَ الْجَمَدِ فَمَاتَتْ يُؤْكَلُ وَفِي الْمِنَحِ إذَا رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ عُضْوًا أَكْلُ الصَّيْدِ دُونَ الْعُضْوِ وَلَوْ قُطِعْنَ نِصْفَيْنِ أُكِلَا انْتَهَى (وَيَحِلُّ هُوَ) أَيْ السَّمَكُ (وَالْجَرَادُ بِلَا ذَكْوَةٍ) لِمَا رَوَيْنَاهُ لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ الْجَرَادَ يُؤْكَلُ وَإِنْ مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهِ بِخِلَافِ السَّمَكِ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا بُدَّ مِنْ مَوْتِ الْجَرَادِ مِنْ سَبَبٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَعَنْ مَالِكٍ يُعْتَبَرُ قَطْعُ رَأْسِهِ وَيَشْوِيهِ.
(وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهَا فَتَحَرَّكَتْ أَوْ خَرَجَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الشَّاةِ (دَمٌ) مِنْ غَيْرِ تَحَرُّكٍ (حَلَّتْ) أَكْلُهَا لِأَنَّ الْحَرَكَةَ وَخُرُوجَ الدَّمِ لَا يَكُونَانِ إلَّا مِنْ الْحَيِّ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ إنْ خَرَجَ الدَّمُ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ لَا يَحِلُّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّك أَوْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ (فَلَا) تَحِلُّ إنْ لَمْ تُعْلَمْ حَيَاتُهُ وَقْتَ الذَّبْحِ.
(وَإِنْ عُلِمَتْ) حَيَاتُهَا وَقْتَ الذَّبْحِ (حَلَّتْ مُطْلَقًا) أَيْ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَلَوْ ذَبَحَ شَاةً مَرِيضَةً لَمْ تَتَحَرَّكْ مِنْهَا إلَّا فُوهُهَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إنْ فَتَحْت عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنَّ فَتَحْت عَيْنَهَا تُؤْكَلُ وَإِنْ مَدَّتْ رِجْلَهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَبَضَتْ رِجْلَهَا أُكِلَتْ وَإِنْ نَامَ شَعَرُهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ قَامَ شَعَرُهَا أُكِلَتْ وَفِي التَّنْوِيرِ سَمَكَةٌ فَإِنْ كَانَتْ الْمَظْرُوفَةُ صَحِيحَةً حَلَّتَا وَإِلَّا حَلَّ الظَّرْفُ لَا الْمَظْرُوفُ.